جغرافيتنا جزأتها النار ............ فلتوحدها النار

 جغرافيتنا جزأتها النار ............ فلتوحدها النار

قبل ظهور كيان العدو إلى الوجود، ومنذ أن كان جنيناً سفاحاً في رحم التحالف اليهودي ـ الغربي، أخذت شروط ولادته حياً، وشروط بقائه حياً وقوياً تتحقق على الأرض، الواحد تلو الآخر.

عرف العقل الشيطاني الصهيو ـ أميركي أنه لا بد من تجزئة سورية الطبيعية، التي هي «إسرائيل الكبرى» بمفهوم اليهود، لا بد من تجزئتها إلى دويلات وإمارات عاجزة، ولا بد من خلق رأي عام سياسي في كل من هذه الدويلات هذا الرأي العام ولد عبر أحزاب سياسية وقفت وراءها اليهودية العالمية ـ رأي عام غايته خلق عصبية كيانية معادية لباقي الكيانات الشقيقة، بحيث يتحول الجسم السوري الواحد إلى أجسام تافهة بالمعنى الاستراتيجي، أجسام عاجزة تابعة مُستْتَلبة القرار الحر، وتشكل في كثير من الحالات محطات ومنصّات انطلاق لقذائف الصهيو ـ غربية باتجاه كل قوة ناشئة يمكن أن تشكل مستقبلاً خطراً معيناً على السفاح اليهودي المولود على أرض فلسطين والذي سمي بـ«إسرائيل».

منذ أن ولد كيان العدو على أرض فلسطين، ولدت معادلة استراتيجية شاملة، تقوم على عنصرين:

الأول: نظرة شمولية كاملة متكاملة من قبل اليهود إلينا نحن أصحاب الأرض، نظرة تعتبرنا كلاً واحداً موحداً في مجموعنا البشري وجغرافيتنا وتاريخنا ومستقبلنا. راحت تبني الصهيونية وحلفاؤها استراتيجياتهم السياسية والعسكرية كلّها على أساس هذه النظرة الشمولية. فنحن بالنسبة إليهم، وإن استطاعوا حشرنا في دويلات وطوائف ومذاهب وقسمونا على هذا الأساس، وجعلونا نتجرع التعصّب والكراهية والأحقاد بعضنا ضد بعضنا الآخر، نحن لسنا سوى عدو واحد، ولا يفرقون بين غبيّ وآخر منا.

العنصر الثاني هو النظرة المشوّهة والمستولدة من مفاعيل سايكس ـ بيكو، نظرة إنشطارية إلى أنفسنا، انسجاماً مع سايكس ـ بيكو. انشطارية على مستوى التجزئة الجغرافية والسياسية، وأكثر انشطاراً على مستوى التجزئة الاجتماعية. تلك النظرة غذّاها اليهودي لتصبح ثقافة لدى عدد وازن منا، وبالتالي تكرّست قاعدة لرسم السياسات في بلداننا المذكوبة بسايكس ـ بيكو.

منذ لحظة رسوّ هذه المعادلة، معادلة الرؤية الشاملة، والسياسة الشاملة، والقوة الشاملة، والهدف الشامل، ضد عدوّ لا يجوز أن يكون بين اليهودي وبينه صلح وحياة وبقاء. ذلك كلّه مقابل رؤية جزئية، وسياسة جزئية وقوة وهدف جزئيين ضد جهة ما زال بعضنا يعتبر أن ثمة مكاناً للصلح معه.

بين النظرة الأولى والثانية تكرّس انتصار اليهودي علينا منذ عام 1948. اليهودي يبقى بمساحة بقاء الفرق بين النظرتين، مساحة هذا الفرق هي مساحة الحياة له، فكلما ضاقت تلك المساحة ضاقت فرصة الحياة له فوق أرضنا.

إن أعظم ما أبدعته عملية شبعا أنها أعلنت أنّ مساحة الفرق أخذت تضيق، وأن الزمن لم يعد زمن سايكس ـ بيكو.

إذا كانت حدود سايكس ـ بيكو، وهي حدود حياة «إسرائيل»، قد رسمت بدماء أهلنا ودماء شعوب كثيرة بفعل الحرب العالمية الأولى، فإن هذه الحدود لا يمحوها إلاّ الدم والنار.

وها هو الدم، وها هي النار، دمنا ونارنا، أخذا مكانهما في صناعة تاريخنا، وأول ما تكون صناعة هذا التاريخ محو خطوط عار سايكس ـ بيكو.

ضربت «إسرائيل» في الجولان، وجرى الردّ عليها من لبنان. إن في ذلك جوهر الصراع كلّه. وحّد الدم والنار جزءاً مهماً من حدودنا يمتد من الناقورة إلى القنيطرة، جبهة جغرافية، اجتماعية، ثورية واحدة. أنجزت عملية شبعا نصف المهمة، أما اكتمال المهمة فيكون باكتمال تدفق الدم والنار من الناقورة إلى العقبة. عندئذ نبدأ بسماع حشرجات موت الوحش اليهودي.

أهم ما في عملية شبعا أنها أثبتت للعالم أجمع أن شعبنا عرف طريق الحياة، بل أتقن السير عليه. عرف كيف يشلّ جزءاً كبيراً من أعصاب الوحش، ومن مرافقه، ومن معنويات اليهود.

عملية لم تتجاوز الشريط فعلت مثل هذا الفعل، خلقت مثل هذا الذعر، فكيف لو أن رايات المقاومة كانت قد ارتفعت فوق مستعمرات الوحش!

بلى، عبر جغرافيتنا المجزّأة وُلد الوحش، وعبر وحدة هذه الجغرافيا سيموت.

ارتكب اليهودي الحماقة الكاملة في ما فعل في الجولان، وليس غريباً في معايير الصراع، أن تكون حماقة العدو حكمة بالغة للآخر.

حماقته البالغة، حكمة بالغة لنا، وعرفت المقاومة كيف ترسّخ أولى محطات هذه الحكمة في شبعا، رداً على اعتداء حصل في الجولان.

بيت العنكبوت بدأت تتهاوى خيوطه، أما الحريصون عليه، وما أكثرهم، فليسوا في حسابات البقاء. سوف يأتي اليوم الذي يرون اليهودي وقد انهار… وهُمْ دون سماء وأرض وغطاء… لحد مثالاً.

يهاجمون العملية البطولية «حرصاً على لبنان»، وهل كانت «إسرائيل» منذ مطلع الخمسينات غير معتدية على لبنان، يوم لم يكن لا مقاومة لبنانية ولا فلسطينية ولا إسلامية فيه؟

ليس أكثر تعاسة من قوم يستنجدون بعدوّ، هو عينه غير متأكد من بقائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق